ماذا يعني أن نكون وحيدين؟

 

حجر منزلي , عزل صحي , وباء , تباعد اجتماعي كلها مفردات عايشناها في العام المنصرم ولازلنا نحمل اثارها لهذا العام . هذا الوباء إن لم يصب أجسادنا فهو أصاب أرواحنا بكل تأكيد.  قربنا من أنفسنا جعلنا نواجه الكثير من الحقائق و المشاعرالقديمة والجديدة, لكن أهمها كان الشعور بالوحدة.

ماذا يعني أن نكون بلا أحد ؟. توقف هنا وفكر في معني الوحدة!.

بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يتساءل الانسان عن العدم و الفناء,  الموت وعبثية الحياة نتيجة شعوره بالوحدة .من هنا ظهرت الفلسفة الوجودية التي تنظر الي الوحدة علي أنها ضرورة انسانية لفهم التجربة الوجودية الفردية. التجربة التي تحثه على معرفة نفسه لمعرفة العالم من حوله. أن يكون الإنسان على قيد الحياة يعني أن تسكن روحه جسد منفصل عن باقي الأجسام الأخرى, والانفصال يعني الوحدة. كنا وحدنا في عالم الأجنة ونعود وحدنا في عالم مابعد الحياة, و كأن الطبيعة تخبرنا أن الوحدة هي الحقيقة الاولي والأخيرة.  ينطبق هذا على كل المخلوقات ولكن الإنسان على وجه الخصوص يعلم ويدرك أنه وحيد. لذلك يتساءل عن وحدته, لماذا هو وحيد؟ كيف يجتاز ذلك ؟

المعني حير الكثير من المفكرين والفلاسفة , وكل من زاويته عرف الوحدة . منهم من قال انها حالة عاطفية يعاني فيها الشخص من الفراغ , فراغ وجداني متشوق للإمتلاء بكل ما يشبه روحه و هو أكبر من مجرد الرغبة في المشاركة مع شخص آخر. منهم من رأها و العزلة سواء و اخرين وجدوها شوقا للاتصال. و أي تواصل يبعده عن وحدته ؟ تعتقد الكاتبة بيل هوكس إن حب الوحدة تؤهلنا لمحبة الاخر دون أن يكون اجتماعنا معهم هروب من أنفسنا. يقول شمس الدين التبريزي: أنت تشعر بالوحدة ليس لأنه لا أحد معك بل لأنك أنت لست معك!  أن تجد نفسك خطوة تسبق التواصل مع الأخر!.

التاريخ أكبر شاهد علي التعاون الإجتماعي الذي يملأ حياة الانسان. تكوين المجتمعات والبحث الدائم عن نظام اجتماعي كافي لتحقيق العدالة ماهو الا دلالة علي رغبة الانسان للحفاظ علي التواصل. هل قضى طبع الانسان الاجتماعي علي الوحدة؟  أم هل أزالت المجتمعات الشعور بالوحدة ؟ و بمعني أخر هل القرب المادي كفيل ليخلصنا من هذا الشعور؟ أعتقد أن البعض يتفق معي أنه ليست أي علاقة تلبي حاجة التواصل داخلنا. فكم من قريب يشعر بالغربة وكم من غريب صار قريب. يجب أن يكون التواصل ذا معنى لأن القرب المادي غير كافي و يؤدي الى الشعور بالفراغ الداخلي! المعني في الاتصال يحلق بحواسنا في سماء الوجدان و يسافر بفكرنا الي عوالم النور..

اللغة والموسيقى والفن والكتابة كلها أدوات اخترعها الإنسان لزيادة التواصل بينه وبين الآخر. و ما الفن الا علامة فارقة في الانسان ومحاولة لتعبير عن الحالة الفردية الداخلية لما يشعره. محاولة لتواصل مع نفسه قبل الاخر. في الحقيقة مهما اقتربنا من بعضنا البعض إلا ان هناك شيء مفقود يدلنا على انفصالنا الا وهو الاحساس . المفتاح الذي يضمن التواصل بأكبر نسبة ممكنة هي انتقال المشاعر في الخطاب  ..

تقول أوليفا لاينغ في كتابها المدينة الوحيدة : "لا أحد يمكنه أن يكتشف العالم بالطريقة التي أنت تقوم بها. لا أحد يستطيع أن يفهمك بالكامل. إن الإقرار بهذه الحالة الإنسانية بشكل واعي سيجعلك تعيش حياة مع درجة معينة من النعمة والرضا". لا تستسلم لوحدتك سريعا , دعها تصل الى أعماقك  !

 

 

 

تعليقات

‏قال نور
مقال بديع جدا

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سكن أم سكنى ؟